الثلاثاء، 20 مايو 2014

مصافحة العالم عبر عينين- تجربة النقاب




#تمبلر 
 
في البدء هذه التدوينة ليست تشريحًا فقهيًا لحكم الحجاب ولا النقاب، فالموضوع محسوم سلفًا عند جميع المهتمين، وإذا كان الأمر يهمك حتى الآن، يمكنك اعتبار هذا السطر: مخرج 1.
يتم غالبا النظر إلى سلوك التحجّب بكونه مرتبطا بالمتحجب نفسه كوِحدة منفصلة، المتحجّب اختيارا أو المحجوب كرهًا يمارس تحفظًا وجوديًا مرتبط بوجود الآخر في مجاله، يتحفظ في تعريف هويته أمام الآخر الذي قد يكون غريبا أو قريبا وزوجا أو حتى شيئا غير حي كما سيتضح !: من أنا؟ كيف أنا؟ رابطا هذين السؤالين بقيم اجتماعية أو دينية: أنا غير معروف لك لأنني أتعفف عنك، أنا - على نحو ما! ـ في حال عرفت كيفيتي أشكّل خطرًا على عفّتك وعفّتي. وفي حالة الاختيار سيجد الأمر يمثل قيمة تقديرية إضافية: وأنا أفعل ذلك لأنني شريف، وحتى لحالة الآخر: أنا لا أنظر إليك أيها المحجوب لأنني مُحترم وشريف. مخرج 2
ماذا لو تم النظر إلى سلوك التحجّب في منطقته الوسطى بين المتحجّب والآخر، منطقة التواصل التي يفرضها الاختيار أو الاضطرار، منطقة يحتاج فيها الطرفان إلى القفز بهلوانيا لمدة أربع ثوانٍ أو ساعة فوق أسئلة التحديد والتحيّة نحو سؤال بسيط مثل: من فضلك أحتاج مساحة للعبور، ممكن أمر؟ أو نحو تجاوب أخلاقي عفوي مثل: شكرا! عندما لا يكفي الصوت، أو حتى للتواصل مع الأشيا غير الحية: شمُ عِطر المكان، أو تذوّق غزل البنات من بائع متجوّل.
فالإنسان الذي اخترع الرمز والقصيدة واللوحة وحتى الغناء تحت الدش في الحمّام كان يستجيب بشكل عفوي لحاجته إلى التعبير والتعريف والتي تتقاطع مع ستة احتياجات أساسية للإنسان من أصل تسعة حسب مدرسة ماكس-نيف Human scale development هي الحاجة إلى الحماية، المودة، المشاركة، الإبداع، الهويّة، والحرية. والتي تعتبرها المدرسة “حاجات وجودية” أي معبرة عن كونه إنسانا موجودا أساسا.
إن تجربة النقاب تحديدا تثقب في جدار وجود المتحجّب عبر ما يوصف بشكل شاعري “لغة العيون” أو بشكل أكثر تجردا: إنني لا أمانع في أن ترى كيف تبدو عينيَّ وأقبلُ بلعبة خطر بسيطة، ولا أمانع في أن تخاطبني عبرهما كهويّة تخبرك من أنا، ما أنا؟ أنا صوت وعينان وأهداب وكُحل ونظرة، هذا يكفي!
هل يكفي ذلك حقا؟ أعني وجوديا إلى أي حد تلبي العينان مع الصوت ست حاجات أساسية من أصل تسع؟
إن التعبير اللفظي يُلبي فقط ما نسبته 30% في أقصى حد من الاحتياج التعبيري والتواصلي للإنسان وهذه النسبة المحدودة يتم فيها اعتبار فعل “المشافهة” أي حركة الشفاه الأمر الذي يُفتقد كُليا في تجربة النقاب فالآخر لا يستطيع متابعة حركة شفاه المتنقّب، كما يتم اعتبار نبرة الصوت فيها والتي تُفتقد جزئيا في تجربة النقاب، تحكي الصحافية فدوى مساط في تجربتها للنقاب موقف نادلة المطعم معها: “وكانت النادلة تقترب من وجهي كثيرًا قائلة إنها لا تستطيع سماع كلامي” هذا الموقف التقليدي الذي ترصده كل منقّبة باستمرار، والتي قد تتلاعب في نبرة صوتها لقيمة أخلاقية: لتلافي الخضوع مثلا، أو حتى لحاجتها للتعويض عن غياب حركة الشفاه فقد ترفع صوتها أكثر مما يلزم للإسماع، وفي الحالتين هي في الحقيقة تفقد قدرا من الحاجة العفوية للتعبير، هذا وبعض الباحثين مثل إدوارد هال يذهبون إلى أن التواصل اللفظي- في حالة اكتماله- يغطي فقط 10٪ من حالة التواصل اللازمة.
تذهب باقي النسبة 70 – 90% إلى التواصل غير اللفظي، وهو من جهة اتّصال المتنقب مع الآخر يتمثل في حواس المتنقب الخمس، أي سمعه ورؤيته وشمه ولمسه لما حوله، والتي يتم حجب أربع منها كليا أو جزئيا في تجربة النقاب،
ويتمثل التواصل غير اللفظي في نظر الآخر للمتنقب عبر ما يُسمى بلغة الجسد عند المتنقب (والتي يجب ألا ننسى أنها ستكون مبنية على إلتقاط المتنقب لما حوله عبر حاسة واحدة كاملة من أصل خمس)، ولغة الجسد هذه هي التي يفرّق بها باحثو الاتصال بين التواصل الإنساني وتواصل الآلة، حيث بدون اللغة الصامتة أو لغة الجسد سيشبه الإنسان الآلة! كما أن السلوك اللفظي المجرد يوصف بأنه سلوك إخباري أما سلوك الجسد فهو السلوك التواصلي حقيقة، أي هو الذي ينشئ علاقة بين الإنسان والآخر لا اللفظ.
لغة الجسد| التواصل غير اللفظي في تجربة النقاب:
لن أتوسع في ذكر طُرق التواصل غير اللفظي لمقارنتها بالنقاب – مع التنبيه أن لغة الجسد مجرد جزء من أجزاء التواصل غير اللفظي- لكن سيكفي أن نشير إلى أن أدوات التواصل الأساسية في لغة الجسد هي: وضعية الجسم، ملابسه، إشاراته وإيماءات الملامح، وكما ابتدأنا فإن سلوك التحجب ناشئ أساسا عن عملية التحفّظ فمن البدهي أن يتم توجيه لغة الجسد إراديا وبشكل غير إرادي نحو التحفظ فمثلا وضعية الجسم ستكون مُقيدة والملابس ستكون مُحددة سلفا للتعبير عن هذا التحفظ الذي يصل إلى حد العزل أحيانا، والذي بحد ذاته يُعارض فكرة التعبير الكُلي، ويُدافع الحاجة الأساسية إلى الهويّة والحرية والمشاركة مثلا فضلا عن أن يلبيها، بالإضافة إلى أن أكثر من 90% من إيماءات الملامح محجوبة بالكامل.
لكن ورغم سلوك التنقّب ستجد الفطرة اللحوحة طريقها للنفاذ فترى المتنقّب يبتكر عدة تعابير بتجاعيد جفنيه أو تراه يصنع فرقا تراتبيا لصوته يميز فيه بين: أهلا – أهلا وسهلا- شكرا – أنا ممتن؟ قد لا تجدها بدقة عند غيره، مما قد يفقدها جدواها عند التواصل مع الآخر غير المنتقب الذي لا يحمل ذات الخبرة، بالتالي لن يتمكن من تفسيرها، فقد يفهم النظرة الشاكرة من المتنقب بطريقته أنها نظرة راغبة، وكل ما ينبني على ذلك من تفسير وأحكام وأفعال سيكون خلاف ما أراده المتنقب، أي أنه لن يلبي حاجة المتنقب للتعبير كما يريدها. يمكن محاكاة الأمر بالتواصل الالكتروني الكتابي االقاصر، الذي اخترع الحروف المكرررررة لإثارة نبرة الصوت التأكيدية في خيال القارئ أو الوجوه التعبيرية ونحوها، نفس الأمر هنا أنت أمام تواصل يحاول المتنقب فيه تكرار الحروف – مجازا- أو إستعارة وجوه تعبيرية، وهذه مجرد مقاربة مع الفارق، فحين يكون قصدك في الكتابة الالكترونية التعبير عن نفسك وهويتك إلى أقصى حد، يكون قصد المتنقب حجب هويته وماهيّته إلا بأقل حد.
ختاما:
قال الله : “ ذلك أدنى أن يُعرفن”
أي من أجل أن يُعرف من هنّ؟ وما هنّ؟ ـــــ يوتيرن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق